بدأت حنين، التي تبلغ من العمر اثنا عشرة عاماً، رحلتها مع غسيل الكلى منذ ستة أشهر. لم تكن تعلم أن الارتفاع في ضغط الدم الذي حصل معها، سيجبرها على الجلوس مرتين في الاسبوع على كرسي المستشفى للحصول على العلاج المناسب.
تعيش حنين مع مرض يهدد حياتها، وهي لم تبلغ عمر الشباب بعد، ففي الوقت الذي يذهب به آلاف الأطفال إلى مدارسهم اليوم، تجلس حنين في سريرها متعبة، ومريضة، ومنتظرة.
حنين لاجئة سورية، تعيش مع عائلتها في جنوب لبنان في منزل بسيط لا تتناسب حالته مع معايير السلامة العامة. يعمل والدها أحياناً، وأحياناً كثيرة لا يستطيع تغطية الحاجات الاساسية من مأكل ومشرب وعلاج لطفلته.
فبحسب تقرير قامت به وكالات الأمم المتحدة في لبنان لتقييم وضع اللاجئين السوريين، تبين أن 76% من النازحين السوريين يعيشون في فقر مدقع، مع إنعدام الأمن الغذائي وضعف في تلبية الاحتياجات الأساسية ومنها الرعاية الصحية.
لا شك أن الظروف المعيشية للكثير من اللاجئين السوريين في لبنان صعبة جدا، ولكن لوالد حنين قصة أخرى، فهو أمام خيارين: إما إنقاذ عائلته أو إنقاذ طفلته. حيث أن تكلفة العلاج خيالية، والتكاليف الطبية تزداد يوم بعد يوم، والنقص في الخدمات يهدد حياة حنين يوميا.
يعاني مرضى الفشل الكلوي من كلفة العلاج المرتفعة في لبنان ،أغلبيتهم يحتاجون ما بين 10 إلى 13 جلسة شهريا، ولا تقل كلفة الجلسة الواحدة عن 110 دولار، بالإضافة الى الأدوية التي تبلغ تكلفتها الشهرية 300 دولار.
ولا يقتصر العلاج على الجلسات و الدواء، فالكثير منهم يحتاج إلى عمليات لتركيب أجهزة في الأوردة أو الشرايين، وهذه العمليات لا تغطى من مفوضية اللاجئين، فالمفوضية تغطي من 75% الى 90% من خدمات الرعاية في الحالات الطارئة والمهددة للحياة وفقاً لمعايير محددة.
يقدر عدد مرضى الفشل الكلوي في لبنان من اللاجئين السوريين 200 مريض تقريباً، و ذلك بالاستناد إلى البيانات المتوفرة في خطة لبنان للاستجابة للأزمة ( 2020-2017 )، وتشكل هذه الخطة ، استراتيجية مشتركة بين الحكومة اللبنانية وشركائها المحليين و الدوليين، يحصل 110 مرضى ممن يعانون من الفشل الكلوي على العلاج المناسب والمستمر، ليبقى ما يزيد عن 60 مريضاً على لائحة الانتظار في ظل غياب الدعم التي تقدمه الدولة اللبنانية لهذه الفئة،فقد أعلنت وزارة الصحة في الربع الأول من سنة 2017 التوقف عن استقبال اللاجئين السوريين الذين يعانون من الفشل الكلوي في المستشفيات الحكومية.
وبالرغم من الجهود المتضافرة لدعم القطاع الصحي في لبنان و خاصة مع بداية الازمة السورية، يصل العجز اليوم في المستشفيات العامة إلى 15 مليون مع تراكم في الديون ( المصدر : وزارة الصحة)، و يعاني القطاع الصحي من مشاكل عديدة في ظل غياب السياسات الطبية و الصحية الشاملة.
انتظرت حنين شهر بأكمله، قبل منظمة سامز لتقديم العلاج لها، و تعرضت للكثير من المضاعفات بسبب تغيبها عن العلاج، فوضع العائلة الاقتصادي لم يسمح لها بأخذ علاجها المطلوب في ذلك الوقت.
إن الخدمات المخصصة لهذه الفئة من قبل العاملين في الشأن الإنساني هي شبه معدومة ، عدد المنظمات التي تقدم العلاج لا يتخطى الخمسة، و يعاني البعض منهم من نقص في التمويل. و في حين تتواصل الدعوات و المناشدات التي تطلقها المنظمات الغير حكومية العاملة في القطاع الصحي في لبنان، من أجل زيادة الدعم وتقديم علاج طويل الأمد والمستمر لهؤلاء المرضى، حيث يتوجه الممولين إلى تخصيص الدعم للخدمات التي تغطي الاستجابة السريعة والقصيرة الأمد.
تقدم سامز الدعم لعلاج ما يقارب 32 مريض فشل كلوي في لبنان، من شهر آب/2017 وحتى اليوم، إضافة إلى البعثات الطبية الدورية التي تقيمها لمتابعة المرضى، وتقييم الخدمات المقدمة لهم.
و تهدف سامز دائماً من خلال نشاطاتها و مؤتمراتها الدورية، إلى جمع التبرعات، من أجل الاستمرار في تقديم العلاج الطويل الأمد الى هذه الفئة الضعيفة والمهمشة.
و لكن بالمجمل يعاني القطاع الصحي من نقص حاد في التمويل، حيث يشهد منحى التمويل الذي يغطي الخدمات الأساسية للاجئين السوريين والمتوفر عبر الهيئات و الدول تراجعاً ملحوظاً، قياساً بالنفقات و الحاجات المتزايدة، فقد بلغت نسبة التمويل في لبنان حتى شهر آب 2016 نحو 60 %، ليصل حالياً الى نحو 39%، و يحتاج القطاع الصحي الى 290 مليون ليقدم الرعاية الصحية لحوالي 1,564 لاجئ سنة 2018.
إضافة إلى التحديات التي تم ذكرها أعلاه، تشكل العقبات الهيكلية تحدي آخر، يعيق مرضى الفشل الكلوي من الحصول على العلاج. تتركز معظم المستشفيات التي تؤمن جلسات غسيل الكلى في مناطق بعيدة جداً عن تجمعات اللاجئين، وتشكل المواصلات و النقل للوصول الى هذه المرافق عقبة أخرى، في ظل افتقار العديد من اللاجئين إلى الوثائق القانونية وتصاريح الاقامة. و قد ذكر بعض المشاركين في دراسة قامت بها مفوضية اللاجئين، في الكثير من الأحيان، ليس بمقدور العديد من المرضى تحمل تكاليف النقل للوصول إلى الخدمات الطبية.
“في كل مرة، تذهب حنين لتلقي العلاج ، على العائلة أن تدفع ما يقارب ال 50$ بدل نقل للوصول الى المستشفى “
تستطيع والدة حنين التبرع لها بإحدى كليتيها، ولكن تبلغ عملية زرع الكلى في لبنان ما يزيد عن 30,000 دولار، في حين لا يصل المبلغ الى النصف في سوريا، و لكن الوضع الأمني في الداخل السوري لا يسمح بعودة العائلة. تلجأ الكثير من الاسر التي يعاني أحد أفرادها من قصور كلوي إلى مجموعة متنوعة من استراتيجيات التكيف السلبية لتأمين العلاج في حال غياب الجمعيات الداعمة ومن هذه الاستراتيجيات : التقليص من الانفاق على الغذاء، التخفيف من العلاج والتغيب عن بعض الجلسات، وقد لوحظ عودة عدد و لو بقليل من المرضى الى الداخل السوري لتلقي العلاج، فاحتمال الموت مرضاً في لبنان أكبر من احتمال الموت بالرصاص في سوريا،
و يجدر بالاشارة أن التأخر في تلقي العلاج يضع المريض أمام أثار جسدية ، نفسية و إجتماعية صعبة.
و من هنا ينبغي على المانحين والمتبرعين، دعم الخدمات العلاجية التي تقدم الى مرضى الفشل الكلوي، وضمان استمرارية هذه الخدمات، و تسهيل و تعزيز الاستفادة المجانية لأكبر عدد من المرضى ذوي الفشل الكلوي. كما يجدر العمل على برامج طويلة الأمد، وتطوير طرق علاج مبتكرة تتناسب بشكل أفضل مع مرضى الفشل الكلوي في سياق الأزمات. أما على المنظمات الدولية مقدمي الخدمات، دراسة جميع الجوانب المختصة بالمريض بالاضافة الى الوضع الاقتصادي والاجتماعي المحيط به، و دعم مراكز الرعاية الصحية والمستشفيات الحكومية، من خلال تعزيز هيكلتها و إمدادها بالمعدات المطلوبة لتصبح مهيأة لاستقبال كافة المرضى من كافة الجنسيات.